انتحاري يقتل 27 من عناصر الحشد الشعبي في جرف الصخر

بعد يومين من تحرير الناحية من مسلحي «داعش»

عناصر في القوات المسلحة والحشد الشعبي يشاركون بالنجف أمس في جنازة رفاق لهم قتلوا في هجوم بجرف الصخر أمس (أ.ف.ب)
عناصر في القوات المسلحة والحشد الشعبي يشاركون بالنجف أمس في جنازة رفاق لهم قتلوا في هجوم بجرف الصخر أمس (أ.ف.ب)
TT

انتحاري يقتل 27 من عناصر الحشد الشعبي في جرف الصخر

عناصر في القوات المسلحة والحشد الشعبي يشاركون بالنجف أمس في جنازة رفاق لهم قتلوا في هجوم بجرف الصخر أمس (أ.ف.ب)
عناصر في القوات المسلحة والحشد الشعبي يشاركون بالنجف أمس في جنازة رفاق لهم قتلوا في هجوم بجرف الصخر أمس (أ.ف.ب)

بعد يومين من تطهير القوات العراقية، مدعومة بقوات الحشد الشعبي ناحية جرف الصخر، شهدت المنطقة، أمس، هجوما انتحاريا استهدف حشدا من المتطوعين، وأوقع عشرات القتلى والجرحى، حسبما أعلنت مصادر أمنية.
وقالت مصادر في الجيش والشرطة إن مهاجما انتحاريا يقود عربة «همفي» مفخخة قتل ما لا يقل عن 27 مسلحا من الحشد الشعبي، وأصابوا 60 آخرين لجماعات شيعية، عندما فجّر نفسه على مشارف بلدة جرف الصخر الواقعة جنوب غربي بغداد. وبعد أن ساعدت قوات الحشد الشعبي في تخليص جرف الصخر من قبضة متطرفي «داعش»، أول من أمس، رأت أن الوقت حان لقطف الثمار. وحسب تقرير لـ«رويترز»، شُوهد عناصر الحشد الشعبي وهم يرتدون الزي العسكري الأخضر يصرخون ويتوعدون 3 من مسلحي «داعش» وقعوا في أسرهم، ويركلونهم ويضربونهم بمؤخرة البنادق.
ومع تزايد أعداد أفراد الميليشيا حول الرجال العزّل دوى صوت الرصاص. وخر الرجال الـ3 وسقطوا وسط الدماء على الوحل بطلقات في الرأس. وقال عنصر في الحشد الشعبي عن الأسرى إنهم شيشان «لا يستحقون البقاء على قيد الحياة. حصلنا على اعترافاتهم، ولا نحتاج إليهم بعد الآن». ومن شأن النصر الذي تحقق في جرف الصخر أن يمنع «داعش» من الاقتراب من بغداد، ويقطع خطوط الاتصال مع معاقل المسلحين في محافظة الأنبار بغرب العراق، ويمنعهم من التسلل إلى الجنوب الذي تعيش فيه غالبية شيعية. وحين سُئل ضابط جيش في البلدة لماذا أُعدم الرجال الـ3، قال: «لا نحتاج إليهم بعد الآن. لماذا نبقي عليهم أحياء؟!».
وردا على السؤال نفسه، قال مسؤول في الميليشيا: «حين حررنا جرف الصخر وجدنا جثث أناس أبرياء قتلوهم ولم يدفنوهم. يجب أن يلقوا المصير نفسه».
وكان عدد كبير من المنازل في جرف الصخر مهجورا، وبعضها لا تزال النيران مشتعلة فيه. وغطت سحابة من الدخان الأسود البلدة المحاطة بالحقول والترع والأغوار، وهو ما صعّب على القوات العراقية التقدم. وكانت جثة قناص من تنظيم «داعش» ربط نفسه أعلى نخلة، تتأرجح في الهواء، بعد أن أصابته نيران أُطلقت من مروحية. وقال فرد آخر من الحشد الشعبي، وهو يشير إلى بندقية القناص على الأرض: «هذا الإرهابي منعنا من التقدم طوال يوم كامل، وقتل عددا كبيرا منا. لم يكن بوسعنا أن نوقفه.. المروحية وحدها تمكنت من ذلك».
وشوهدت جثث نحو 50 من مقاتلي «داعش» متناثرة في أنحاء جرف الصخر في الشوارع والحفر قرب المنازل وداخل شاحنات صغيرة، وكان الكثير منها محترقا.
وكان من بين القتلى 15 مقاتلا قيدت أيديهم خلف ظهورهم، وألقيت جثثهم في أحد الحقول. وكانت رائحة الموت تملأ المكان وتجمع الذباب على الجثث.
وعندما سُئِل عقيد في الجيش العراقي: لماذا لم تدفن القوات الحكومية جثث الرجال الذين قتلوا في اليوم السابق؟ قال: «هؤلاء الإرهابيون لا يستحقون الدفن. لندع الكلاب تنهشهم. لقد قتلوا الكثير من رجالنا». وبينما كان الجنود وعناصر الحشد الشعبي يحتفلون بالنصر ويلتقطون الصور مع جثث القتلى، أطلق مقاتلو «داعش» الذين فروا إلى حقول غربا قذائف هاون، وأمطروا البلدة بالنيران. وأصاب القصف رجال الحشد الشعبي، وقُتل عشرات، وتناثرت أشلاء الجثث.
وصاح عنصر في الحشد الشعبي: «اركضوا إلى الخندق. قذائف هاون»، بينما صرخ ضابط في الجيش في قادة الحشد الشعبي موبخا، لأنهم تقدموا بسرعة قبل أن تقضي المروحيات على جيوب المقاومة. وصاح أحد أفراد الحشد الشعبي قائلا: «حسنا. لنتراجع».



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.